الجمعة، 14 مايو 2010

و تعلمت من جمل

كم اشتاق الى كتابة وكم اتمنى أن يكون قلمي قد اشتاق إلي أيضاً. لا أصدق انني مستيقظة من الفجر في يوم اجازة ولكن قمت بكذا عمل يسعدني و هذا هو المهم ..

أريد أن اكتب هذا الموضوع منذ زمن، وها أنا ذا أحاول.

في يوم من أيام سفري إلى دهب ، بالتحديد ونحن عائدون من أبو جالوم ، وهي لمن لا يعرفها منطقة جميلة للغطس ولكن لا يوجد طرق ممهدة لها إلا البعيد جداً.فذهبنا على جمال وهنا بدأت القصة.
فعند رحلة العودة لم أجد إلا جملين اختار بينهما فتوكلت على الله واخترت احدهماوما إن بدأ يمشي حتى لاحظت عليه بعض السمات الشخصية التي تميزه عن الاخرين، فكل الجمال بدأت الرحلة في خط مستقيم أما جملي أبى أن يمشي مع القطيع وحاولت جاهدةً وأنا على ظهره أن اثنينه عن عزمه ولكني فشلت.
نعم فشلت.
وجدتني وأنا وحدي مع جملي.. أنا وهو فقط ...وكانت الشمس قد اقتربت على المغيب، البحرعن شمالي والجبال عن يميني وسماء زرقاء صافية من فوقي... كم كان هذا المنظربديعا. أحسست وقتها بصفاء لم أعهده في حياتي الصاخبة.. كانت الجبال ذات ألوان جميلة فبعضها حمراء وأخرى سوداء أما الأكثر فكانت خليطا متجانسا من اللونين كخطوط تداخلت لتتعانق بلا حراك. بدأت السماء أيضاً تحذو حذو الجبال فتأخذ من ألوانها معلنةً قرب المغيب.
أماعن المجموعة فقد ذهبت بعيداً حيث لم أكن أراها ولا حتى اسمعها.

مع كل هذا التيه الذي أنا فيه .. مازال هذا الصفاء النفسي لا يفارقني كما لم تفارقني نسمات الهواء العليل النقي
أما جملي فقد أخذ يمشي في طرق عجيبة، تارةً يتسلق جبلٌ صغير وتارةٌ أخرى يمشي على السهل الدقيق بين البحر والجبل .

بدأت حينها أفكر "هذا الجمل لن ينفذ ما أطلبه ، ولكن مهلاً من الذي قال أن ماأطلبه هو السلامة؟ فربما يعرف الجمل طريقٌا أفضل. لماذا دائماً أعتقد انني أحسن من يفكر وانني أحسن من يتأخذ القرارات؟"

ربما يكون الجمل أفضل مني في معرفة الطريق . في هذه اللحظة قررت أن أثق في الجمل وأن أعطيه فرصة أن يقودني ، وأعطي نفسي اجازة من التفكير. لا أعرف ما ذا أصابني في هذه اللحظة هل فقدت عقلي ؟! في النهاية أترك جمل يقودني؟! لم افهمني ولكن هذه أنا التي تظهر أوقاتا على سطح شخصيتي ..لم أفكر كثيراًولكن هذا ما قررت وما شعرت أنه صواب .

تركت اللجام ورفعت قدمي فوق ظهر الجمل وأسلمت أمري إلى الله
وقررت أيضاً الإستمتاع بهذا السكون النادر.

مشى الجمل ومشى ومشى. وبدأت اتحدث إليه. نعم إلى الجمل !!
هنا كنت أشعر أن كل المخلوقات تتكلم وتسمع وتتجاوب معي.
فربت على رقبته وقلت له، ألا يكفي هذا يا جمل قربت الشمس على المغيب ألا يمكن أن نعود إلى الطريق؟

لم يعلق الجمل ولكنه إستدار و اتجه إلى البحر ينظر إليه وكأنما يتأمله فقلت له أيها الجمل الشاعر إلى ما تنظر، الطريق ليس من هنا، ثم تذكرت انني قررت أن أثق به وتقريباً كان هذا القرار الوحيد الذي أملك وقتها
ثم وجدت الجمل ينزل إلى البحر !!!! نعم نزل الجمل إلى البحر حتى أصبحت ركبتيه مغطاه بالماء !!! ثم إستدار ونظر في إتجاه الجبل !!! ياللعجب !!! وظل الجمل على هذا الحال. وأنا فوقه !!!

لم يكن الجمل هو ما يشغلني في هذه اللحظة ولكن كنت استغرب نفسي جداً!!!

قررت بعدها أن اشارك الجمل لحظة التأمل التي هو فيها وبدأت في قراءة الأذكار التي حان وقتها.
بدأت اقرأ وأتلو بصوتٍ عال وارتل .كم كان صوتي جميلاً في هذا المكان مع بعض الصدى الذي أسمعه أنا و... الجمل
فور إنتهائي من الأذكار تذكرت المشكلة التي أنا فيها ..
فسألت الجمل بصوتٍ عالي .." مش يلا نمشي بأة ؟" قلت ذلك وأنا أربت على عنقه ثانيةً

الغريب هذه المرة أن الجمل بدأ يسمعني .. نعم فقد بدأ يخرج من البحر وبدأ ينفذ مطالبي.. وليس اوامري .. وجدت أن ثقتي في الجمل كانت في محلها فقلت له يجب أن نسرع قبل مغيب الشمس فوجدته يجري!!! ولكن كان هذا أقوى من إحتمالي فأنا لست فارسة ، فطلبت منه ثانيةً أن يمشي بسرعة أقل فوجدته ينفذ .. سبحان الله .. هل هذا أثر الأذكار؟

هنا أحسست بشعور يصعب علي وصفه: منتهى الإحساس بمعية الله والثقة بأنه لن يضيعني ..
مشيت مع جملي الذي إستحق ثقتي عن جدارة وأوصلني في النهاية إلى المكان الصحيح وعلمني درساً لن أنساه: لماذا لا اعطي ثقتي للناس ولماذا لا أعطي فرصة لأحد حتى يثبت أنه جدير بالثقة ؟ لماذا أعتقد أنه أكيد طريقتي هي أفضل طريقة للوصول ؟ مع أن لكل طريقته في الوصول .. قررت كتابة ذلك وسميته ..وتعلمت من جمل ..

كم أود الوصول إلى هذه الراحة النفسية التي شعرت بها مع جملي .. هذه الثقة التي استطاع ان ينتزعها مني.. هل يمكن أن أثق في إنسان بهذه الطريقة؟حتى أسلم له إتخاذ قرارات تخصني بلا مشكلة ؟

فور وصولنا أحسست أني حقيقة أحب هذا الجمل :) نزلت من على ظهره وأنا تملؤني مشاعر مختلفة كثيرة .. نزلت وسلمت على جملي وجدته يحيني برأسه و بصوت يصدره .. حقاً هذه التحية لي ؟ هذا فعلاً جملي :))))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق